-هذا المقال هو مقال رأي، وكل ما سيكتب فيه هو تعبير عن الرأي الشخصي لكاتبه ولا صلة له بتوجه الموقع وهو ما يفسر استخدام ضمير المتكلم به–
من بين جميع آفات مجتمعاتنا المتعددة والمتنوعة، توجد واحدة أقل ما يقال عنها أنها مستفزة ومثيرة للاشمئزاز، آفة نصادفها كل يوم في حياتنا اليومية، ونحن كلنا قد نقوم بها على الدوام بقصد أو عن غير قصد، إنها الأحكام المسبقة.
فكم شاهدنا مثلا عبر الأنترنت أشخاصا يقومون بنشر فيديوهات ذات طابع ديني أو اجتماعي أو حتى « عشوائي » عن مواضيع معينة، تهم أشخاصا قد يكونون مجرد مواطنين عاديين لا يعنينا من أمرهم شيء، وقد يكونون شخصيات عامة أو غيرها دونما معرفة بحيثياث القضية. نشاهد أحكاما توزع بالمجان وبشكل لامحدود في عرض لا مثيل، ولا تستطيع مقاومته لأنك في الأصل لا تختاره، بل يفرض عليك..
فعبر أفعال تحكم حياتك الخاصة، عادات لا تضر شخصا سواك، أفكار وقناعات ملكك أنت ولا تفرضها على الغير، بل عبر لباسك وشكلك، تجد أحكام الناس تنهال عليك من كل النواحي، رغم أنك بالكاد تعرفهم، وهم كذلك! كيف لا يدركون بأنك كما تدين تدان؟ كيف لا يفكرون أن وراء كل شخص حياة لربما لو سمعتها لغالبتك دموعك من شدة قساوتها؟ كيف يسمحون لألسنتهم السليطة بإعطاء درجة حسن سيرة وخلق ودين حتى رغم أن هذا الأمر بيد الله وحده؟ فقط اجلس في مقهى، أو اسمع حوارات في وسائل النقل التي ترتادها كل يوم وركز، ركز في كلام الناس في الناس، ستختنق من هذا العالم، ستكره مجتمعا لو كانت الأحكام المسبقة رياضة أو اختراعا لحصد أكبر الجوائز العالمية! إن الأمر يصل أحيانا حد الدخول في حيثياث ربما لا أنت ولا أقرب المقربين منك يدخلون فيها دون إذنك.. فقط لأنهم رأو منك تصرفا خاصا بك، بك أنت، لا تؤذي به أحدا، لا يتجاوز حدود عالمك الخاص، ولا يمثل حتى أدنى الأوزان في ما يكون شخصيتك وطريقة تفكيرك وتعاملك.
إن هذه المعضلة من أشد الأمراض فتكا بالمجتمع، وللأسف، نعاني منها بشكل كبير جدا، فكفانا اهتماما بحياة الآخرين الخاصة، كفانا تدخلات فيها، ولنغير وجهة أعيننا وألسنتنا لاتجاهنا نحن، لنصلح ذاتنا نحن، لنهب السلام للغير ولأنفسنا، ولنكون مجتمعا يبني ولا يهدم.